دِلال "مزعل" سفيرة التراث الفراتي في متحف "اللوفر"

رغم انحسار مهنة صناعة النحاس في "دير الزور" ورغم تحول الأدوات النحاسية
من أدوات منزلية تملأ البيوت إلى أدوات تعلّق على رفوف المحلات المختصة
ببيع الأدوات التراثية، ما يزال يصرّ على الوقوف وسط سوق "الحدادين"
متمتعاً بإرادة الحياة.

إنه آخر محل للنحاس في "دير الزور"، محل "دلال مزعل" الذي تعود
ملكيته للسيد "علي المزعل" ورثه عن والده اسماعيل الذي بدوره ورثه عن الجد
"مزعل النحاس"، لهذا المحل ولصاحبه الأول خصوصية كبيرة عند "الديريين"
ومكانة مميزة لدى كل من يهتم بالقهوة العربية، ذكره الباحث "عمر صليبي" في
كتابه "لواء الزور في العصر العثماني- اجتماعياً واقتصادياً" بقوله:
«"مزعل النحاس" هو "مزعل بن حج محمد الصالح النجم" من مواليد 1845 اختص
بصناعة "دلال القهوة المرة" عبر التجربة التي قادت إلى الإبداع والإنتاج،
تتلمذ على يديه عدد من الأجراء ولكن أهم من أتقن الصنعة ابناه "يوسف"
و"اسماعيل" وقد قادت المهنة إلى تطور مذهل في العلاقة بين مزعل وأولاده
وبين شيوخ عرب مثل الشيخ "نوري الشعلان" و"مجحم بن مهيد" و"عجيل الياور"
و"مشرف الدندل"».

[b]زارeSyria هذا المحل والتقى السيد "علي المزعل" الذي حدثنا عن نشاط محله
قائلاً: «بإمكاني صناعة كل الأواني النحاسية لكني فضلت الاحتفاظ بالمهنة
التي تخصص بها جدي "مزعل" وهي صناعة دلال القهوة العربية، فهو أول من عمل
بهذه المهنة في "دير الزور" كلها، فقبله كانت تأتي الدِلال من
تركيا أو
"بغداد" وقد لاحظ جدي أنها

مؤلفة من أكثر من قطعة ما يؤدي إلى تفككها أحياناً عند تعريضها
للحرارة هذا غير الناحية الجمالية، هنا فكر جدي بإمكانية صناعة الدلّة من
قطعة واحدة وبدأ بتصميم الأدوات المناسبة التي تساعده على انجاز هذه
الخطوة، وتم تنفيذ هذه التصاميم عند الحدادين بإشرافه طبعاً.

هذه العدة غير متوافرة في كل محلات النحاسة وحتى إن وجدت أدوات تشبهها
فإنك لا بد أن تجد فروقاً ابتكرها جدي، فلديه مثلاً 200 سندان، فالدلّة
الواحدة يستخدم فيها حوالي 15 سنداناً مختلفاً، وهنالك مطارق متعددة
الأشكال والأحجام وبالتالي متعددة الاستخدامات، منها مطرقة "للجمع" ومطرقة
"للسحق" ومطرقة "للتنعيم" إضافة إلى مطارق أخرى».

وعن الأدوات التي تستخدم في صناعة الدلّة أجابنا: «"المطارق" بأنواعها،
"السندان" وأيضاً له أنواع مختلفة كما أسلفت، "النايات" وهي قطع معدنية
ذات نتوء تستخدم لإعطاء الدلة شكلها المميز، "حامل النايات" وهو عبارة عن
قطعة خشبية فيها فجوة من الأعلى تثبت فيها إحدى "النايات"».

وحول ما يسمى "طقم دلال مزعل" حدثنا قائلاً: «يتألف من 12 دلّة مختلفة
الأحجام أصغرها تسمى "المصب" وأكبرها تسمى "الكمكوم" وفيها تُغلى القهوة
ثم تسكب في الدلال الأخرى بعد أن تصفى وتتسع هذه لحوالي 20

لتراً من القهوة، ومن الجدير بالذكر أن حجم "الكمكوم" يعتبر مؤشراً يدل على موقع الشخص ومكانته».

وفيما يخص أقسام الدلة أجابنا قائلاً: «تتألف الدلة من 1- جسم الدلة،
2-الغطاء وهو مؤلف من قطعتين: "صحن وكبعيّة" ، 3- اليد، 4- "زر الدلة":
وهو يربط الصحن بالغطاء، 5- الأذن أو "الكردانة"».

وعن مخاوفه من اندثار هذه المهنة في حال تركه لها لسبب أو لآخر أجابنا:
«بعد وفاة والدي وعمي اللذين عملا بها بعد جدي، سعيت إلى الحصول على تقاعد
مبكر إذ كنت ما أزال حتى ذلك الوقت أعمل مدرساً ولكني شعرت بالالتزام تجاه
المهنة ومما يزيد من مخاوفي اليوم أن أولادي يرفضون تعلمها، وأعتقد أن
وزارة السياحة يجب أن تعنى أكثر بهذه المسألة، وأنا شخصياً لدي استعداد
للعمل بالمجان في أي معهد يعمل على الحفاظ على هذه المهنة من الزوال».

أما أبرز الشخصيات التي اقتنت "دلال مزعل" فأجابنا عنها قائلاً: «شيوخ
عشائر مثل الشيخ "عبود الجدعان"، والشيخ "راغب البشير"، والشيخ "أحمد
الفياض"، ومن "الرقة" الشيخ "إسماعيل العجيل" والشيخ " راكان"، ومن
"مسكنة" الشيخ "فيصل العريف" كما أن طقم "دلال مزعل" معروض حالياً في متحف
"اللوفر" في باريس

ومن الزبائن الذين صادف وجودهم أثناء الحوار التقينا السيد "أحمد فياض
الخضر" من قرية "جزرة البو حميد" الذي جاء ليشتري "طقم دلال مزعل" رغم أن
ثمنه يصل إلى مئتي ألف ليرة سورية مبرراً ذلك بقوله: «شهرة الاسم هي التي
ساقتني إليه فالدلال التي لدي في المنزل تجارية وأريد اقتناء هذه الدلال
مهما كان سعرها للاستعمال والزينة، فهي أجمل وأهم ما يمكن أن يقتنيه
العربي».[/b]

شكرا اخي العزيز محمد على المعلومات الغنية

تقبل مروري