رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة

قال أحمد بن فضلان :
لما وصل آتاب ألمش بن يلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر يسأله فيه البعثة إليه ممن
يفقهه في الدين ويعرفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدا وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة له في بلده
وجميع مملكته ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له فأجيب إلى ما سأل من ذلك.
وآان السفير له نذير الحرمي فندبت أنا لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أهدى إليه والإشراف على
الفقهاء والمعلمين وسبب له بالمال المحمول إليه لبناء ما ذآرناه وللجراية على الفقهاء والمعلمين على
الضيعة المعروفة بأرثخشمثين من أرض خوارزم من ضياع ابن الفرات.
وآان الرسول إلى المقتدر من صاحب الصقالبة رجل يقال له عبد الله بن باشتو الخزري والرسول
من جهة السلطان سوسن الرسي مولى نذير الحرمي وتكين الترآي وبارس الصقلابي وأنا معهم على
ما ذآرت فسلمت إليه الهدايا له ولامرأته ولأولاده واخوته وقواده وأدوية آان آتب إلى نذير يطلبها.
العجم والأتراك
فرحلنا من مدينة السلام يوم الخميس لأحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة تسع وثلاثمئة فأقمن ا
بالنهر وإن يوماً واحداً ورحلنا مجدين حتى وافينا الدسكرة فأقمنا بها ثلاثة أيام ثم رحلنا قاصدين لا
نلوي على شيء حتى صرنا إلى حلوان فأقمنا بها يومين.
وسرنا منها إلى قرميسين فأقمنا بها يومين ثم رحلنا فسرنا حتى وصلنا إلى همذان فأقمنا بها ثلاثة
أيام.
ثم سرنا حتى قدمنا ساوة فأقمنا بها يومين ومنها إلى الري فأقمنا بها أحد عشر يوماً ننتظر أحمد ابن
علي أخا صعلوك لأنه آان بخوار الري.
ثم رحلنا إلى خوار الري فأقمنا بها ثلاثة أيام ثم رحلنا إلى سمنان ثم منها إلى الدامغان صادفنا بها ابن
قارن من قبل الداعي فتنكرنا في القافلة وسرنا مجدين حتى قدمنا نيسابور وقد قتل ليلى بن نعمان
فأصبنا بها حمويه آوسا صاحب جيش خراسان.
ثم رحلنا إلى سرخس ثم منها إلى مرو ثم منها إلى قشمهان وهي طرف مفازة آمل فأقمنا بها ثلاثة أيام
نريح الجمال لدخول المفازة.
ثم قطعنا المفازة إلى آمل ثم عبرنا جيحون وصرنا إلى آفرير رباط طاهر بن علي.
ثم رحلنا إلى بيكند ثم دخلنا بخارا وصرنا إلى الجيهاني وهو آاتب أمير خراسان وهو يدعى
بخراسان الشيخ العميد فتقدم بأخذ دار لنا وأقام لنا رجلاً يقضي حوائجنا ويزيح عللنا في آل ما نريد
فأقمنا أياماً.
ثم استأذن لنا على نصر بن أحمد فدخلنا إليه وهو غلام أمرد فسلمنا عليه بالإمرة وأمرنا بالجلوس
فكان أول ما بدأنا به أن قال: آيف خلفتم مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وسلامته في نفسه
وفتيانه وأوليائه فقلنا: بخير قال: زاده الله خيراً.
ثم قرئ الكتاب عليه بتسلم أرثخشمثين من الفضل بن موسى النصراني وآيل ابن الفرات وتسليمه ا
إلى أحمد بن موسى الخوارزمي وإنفاذنا والكتاب إلى صاحبه بخوارزم بترك العرض لنا والكتاب
بباب الترك ببذرقتنا وترك العرض لنا.
فقال: وأين أحمد بن موسى فقلنا: خلفناه بمدينة السلام ليخرج خلفنا لخمسة أيام فقال: سمعاً وطاعة لم ا
أمر به مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه.
قال: واتصل الخبر بالفضل بن موسى النصراني وآيل ابن الفرات فأعمل الحيلة في أمر أحمد بن
موسى وآتب إلى عمال المعاون بطريق خراسان من جند سرخس إلى بيكند: أن أذآوا العيون على
أحمد بن موسى الخوارزمي في الخانات والمراصد وهو رجل من صفته ونعته فمن ظفر به فليعتقله
إلى أن يرد عليه آتابنا بالمسألة فأخذ بمرو وأعتقل.
وأقمنا نحن ببخارا ثمانية وعشرين يوماً وقد آان الفضل بن موسى أيضاً واطأ عبد الله بن باشتو
وغيره من أصحابنا يقولون: إن أقمنا هجم الشتاء وفاتنا الدخول وأحمد بن موسى إذا وافانا لحق بنا.
قال: ورأيت الدراهم ببخارا ألواناً شتى منها دراهم يقال لها الغطريفية: وهي نحاس وشبه وصفر
يؤخذ منها عدد بلا وزن مئة منها بدرهم فضة وإذا شروطهم في مهور نسائهم: تزوج فلان ابن فلان
فلانة بنت فلان على آذا وآذا ألف درهم غطريفية وآذلك أيضاً شراء عقارهم وشراء عبيدهم لا
يذآرون غيرها من الدراهم ولهم دراهم أخر صفر وحده أربعون منها بدانق ولهم أيضاً دراهم صفر
يقال لها السمرقندية ستة منها بدانق.
فلما سمعت آلام عبد الله بن باشتو وآلام غيره يحذرونني من هجوم الشتاء رحلنا من بخارا راجعين
إلى النهر فتكارينا سفينة إلى خوارزم والمسافة إليها من الموضع الذي اآترينا منه السفينة أآثر من
مئتي فرسخ فكنا نسير بعض النهار ولا يستوي لنا سيره آله من البرد وشدته إلى أن قدمنا خوارزم
فدخلنا على أميرها محمد ابن عراق خوارزم شاه فأآرمنا وقربنا وأنزلنا داراً فلما آان بعد ثلاثة أيام
أحضرنا وناظرنا في الدخول إلى بلد الترك وقال: لا آذن لكم في ذلك ولا يحل إلي ترآكم تغررون
بدمائكم وأنا أعلم أنها حيلة أوقعها هذا الغلام يعني تكين لأنه آان عندنا حداداً وقد وقف على بيع
الحديد ببلد الكفار وهو الذي غر نذيرا وحمله على آلام أمير المؤمنين وإيصال آتاب ملك الصقالبة
إليه والأمير الأجل يعني أمير خراسان آان أحق بإقامة الدعوة لأمير المؤمنين في ذلك البلد لو وجد
محيصاً ومن بعد فبينكم وبين هذا البلد الذي تذآرون ألف قبيلة من الكفار وهذا تمويه على السلطان
وقد نصحتكم.
ولا بد من الكتاب إلى الأمير الأجل حتى يراجع السلطان أيده الله في المكاتبة وتقيمون أنتم إلى وقت
يعود الجواب فانصرفنا عنه ذلك اليوم ثم عاودناه ولم نزل نرفق به ونقول: هذا أمر أمير المؤمنين
وآتابه فما وجه المراجعة فيه حتى أذن لنا فانحدرنا من خوارزم إلى الجرجانية وبينها وبين خوارزم
في الماء خمسون فرسخاً.
ورأيت دراهم خوارزم مزيفة ورصاصاً وزيوفاً وصفراً ويسمون الدرهم طازجة ووزنه أربعة
دوانيق ونصف والصيرفي منهم يبيع الكعاب والدوامات والدراهم.
وهم أوحش الناس آلاماً وطبعاً آلامهم أشبه شيء بصياح الزرازير وبها قرية على يوم يقال له ا
أردآو أهلها يقال لهم الكردلية آلامهم أشبه شيء بنقيق الضفادع وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب رضي الله عنه في دبر آل صلاة.
فأقمنا بالجرجانية أياماً وجمد نهر جيحون من أوله إلى آخره وآان سمك الجمد سبعة عشر شبر اً
وآانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه آما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام
على ذلك ثلاثة أشهر.

تتبع ................

يسلمو ع سرد الرحلة
تقبل مروري